نبذة عن الشعر الأمازيغي في الجنوب الشرقي المغرب.
يعتبر الشعر الأمازيغي أكثر الأجناس
الأدبية انتشارا في الجنوب الشرقي المغربي، وينقسم إلى عدة أنواع منها على سبيل
المثال لا الحصر: " أحيدوس "، " أسركض "، " وارو
" و " تيمناضين
".
وسوف نعرض لكل هذه الأنواع كل على حيدة بشكل
موجز.
1. أحيدوس
يعتقد الكثيرون أن أحيدوس هو الرقص الذي تقابله كلمة أحواش في الأمازيغية
والتي تعني في الأمازيغية ذاتها أحيدوس والهدرة... وكلها تشير إلى الرقص الشعبي
الجماعي في سوس وفي المناطق القريبة منه. أما بالنسبة للمناطق الواقعة في الجنوب
الشرقي للمملكة، فإن الرقص شيء أحيدوس شيء أخر. فإذا كان الرقص يستهدف بالدرجة
الأولى حركات الجسد المعبرة والموقعة على إيقاع موسيقى؛ بالاعتماد على الجسد برمته
أو علامات دالة من أجل تقديم صورة معبرة عن الرقص، فإن جوهر أحيدوس ومادته هي تلك
الكلمات الشعرية والأهازيج والعبارات الرمزية التي تردد مع الإيقاع الموسيقي.
تؤدي القبائل الأمازغية المتواجدة في
الجنوب الشرقي بالمغرب هذا النوع الشعري المسمى أحيدوس في صفين، أحدهما خاص
بالرجال والأخر خاص بالنساء أغلبهن فتيات عازبات، يرددون أشعار تدور حول: الحب،
الغزل، المدح، الهجاء والافتخار... وذلك على إيقاع الدف والبندير ( أكنزا، ألون أو
تلونت..)، وبحركات وإيماءات معبرة. ويضيف اللباس لمسة سحرية لهذا النوع الشعري،
فالرجال زيهم الخاص من جلباب أبيض وخنجر (الكوميت) بخيطه الحريري (تبوقست)، وحافظة
نقود (أقراب)، وعمامة وبلغة بيضاوين... كما للنساء زيهن الخاص المسمى أحروي. وبعد
أن اصطف الرجال والنساء على شكل صفين متقابلين، يبدأ أحد الرجال بقصيدة تعرف ب
(تكزيمت)، فيسود الصمت والسكون حتى يتمكن الكل من سماع ما سيقوله المنشد مع النقر
على الدفوف والبنادر بطريقة خاصة ومميزة، كلما سكت المنشد وحسن إيقاع الإنشاد.
وجدير بالذكر إلى أن أحيدوس من الأنواع
الشعرية ذات الطابع الاجتماعي ينشد في
الحفلات والمناسبات الاجتماعية والدنية التي تسود حياة الأفراد، وتأتي الأعراس في
مقدمتها.
2. أسركض
يصنف
شعر أسركض ضمن الشعر الأمازيغي، وهو نوع
خاص بالأعراس، يتم إنشاده في مكان إقامة العروس وبالضبط في اليوم الثاني والثالث
من أيام العرس. وينشد فيه قصائد غالبا تبدأ بمقدمة دينية ينتقل بعدها إلى المدح
والهجاء والموعظة... بحيث يبدأ الرجال بترديد الأشعار ثم تعيد النساء ترديدها
بعدما جلس الكل مشكلين دائرة حول العروس التي تجلس في الوسط، بحيث تتخلل هذه
الأشعار إيقاعات الدفوف والبنادر التي تهتز بشدة ويرتفع صوتها كلما جاء دور الرجال
في الإنشاد.
إن الباحث في شعر أسركض يتضح له
جيدا أنه يبدأ بمقدمة دينية ثم مدحية وبعدها يتم الانتقال إلى هجاء أم العروس أو
أم العريس بألفاظ استفزازية لكي تجود على منشديه باللوز، ويستمر الهجاء كلما تأخر
الحصول على اللوز، وفي هذه المرحلة تقوم إحدى الأمهات بنثره في الهواء، ثم تقوم
بعدها بنثر مجموعة من أنوع الطيب وعلى شكل دقيق مطحون يسمون " إسكريضن "
على كل الحاضرين أثناء الإنشاد.
3.
وارو
تقوم القبائل الأمازغية بإنشاد هذا النوع
الشعري في الكثير من المناسبات كالأعراس، وفي موسم الحصاد، وأثناء جمع الحطب. وهو
نوع شعري خاص بالنساء ينشدنه في كل تجمع نسوي تعبيرا عن الفرح والسرور. وتختلف مضامين
وإيقاعات هذا النوع الشعري باختلاف المناسبات ففي الأعراس مثلا يوجد نوع شعري خاص
بالصباح يسمى " تكرمت " ويكون إيقاعه بطيئا ينسجم مع الحالة النفسية
والفيزيولوجية للنساء، خصوصا وأنهن ينشدنه مباشرة بعد الاستيقاظ.
4.
تيمناضين
هو شعر يتبارى فيه شخصان فيتباريان ويستعمل كل
واحد ذاكرته الإبداعية، وهو شبيه بشعر النقائض في الشعر العربي القديم، إلا أن
تيمناضين لا تقتصر على الهجاء فقط كما هو الحال في شعر النقائض في الشعر العربي
القديم، كما أنها ليست بقصائد بل هي عبارة عن أبيات متناثرة تقوم على أسس عروضية
تسمى "تلالايت''، وهي وحدات صوتية، ولا يمكن للشاعر أن يستغني عن الصيغة
العروضية التي يستهل بها إنشاده أو يغير بدونها الإيقاع بغية تكسير نوعيته أو
نمطيته، لأن هذه الصيغة بمثابة الشفرة إلي بواسطتها يخبر المتلقي بأنه ينوي الدخول
في تيمناضين وهذه الصيغة هي:
أوا ليلا لدا ليلا أوا ليلا لدا ليلا.
وتعتبر هذه الصيغة ظاهرة
موسيقية وفيزيولوجية يلجأ إليها المنشد
كلما كفترة استراحة لاسترجاع ما سبق أن سمعه أو حفظه من الأبيات التي تتمحور حول الغرض الذي ينشد فيه، ومن أجل
نظم أبيات جديدة يضمها أحاسيسه ومشاعره الخاصة لاسيما أنها تأخذ شكل المنافسة
والنقائض بين المتبارين في إجادة المعنى وطول النفس معا.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا النوع
الشعري قد عرف ازدهارا في عقدي الستينات والسبعينات نتيجة ظهور الهجرة بشكل ملفت
للانتباه مما أدى إلى تفرق الأهل والأحباب، الشيء الذي ولد نوعا من الحنين والشوق
إلى اللقاء لدى الرجل والمرأة على السواء. مما دفعهم إلى إنشاد هذا النوع الشعري
كمتنفس يعبرون من خلاله عن أحاسيسهم ومعاناتهم من جراء الاغتراب والافتراق.